شعرت بالحزن لهذا الكلام.
وسألته: أتؤمن بالله؟
قال: نعم
قلت: أتؤمن بالغيب؟
قال: نعم
قلت: أتؤمن أن الله تعالى قال "إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه" إنه لم يقل خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نرفهه فى الدنيا. والنبى صلى الله عليه وسلم قال "الدنيا دار ابتلاء"
قال: لو خيرنى ربى فى هذا الابتلاء ماقبلته
فقلت: هل لديك شك فى أنه لا أحد أصدق من الله.
قال: لا
قلت: فما قولك فى قول الله تعالى "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا"
قال: لست أذكر هذا العهد.
سألته: هل مضيت عقدا من قبل؟
قال: نعم، عقد إيجار شقتى وعقد التليفون المنزلى وعقد الهاتف المحمول وغير ذلك.
فقلت: هل تذكر بنود أى من هذه العقود الآن؟
قال: بالطبع لا، أو على الأقل ليس كلها.
قلت: هل تحتفظ بنسخة من العقد؟
قال: نعم
قلت وماهو الوقت المناسب لمراجعة بنود هذا العقد التى وقعت عليها ونسيتها.
سكت مليا ثم قال: يوم أن أترك الشقة مثلا ويحاسبنى صاحبها فيما له وما عليه.
قلت له: كذلك، عهد اختيارك المأخوذ عليك من الله وقد مضى عليه دهور، ستذكره يوم حسابك، لأن "الله لايظلم الناس شيئا، ولكن الناس أنفسهم يظلمون"
قال: ولكن القرآن يحدثنى عن هذا العهد، وكان يجب أن أذكره.
فقلت له: مادام قد حدثك عنه القرآن الذى تؤمن أنه كلام الله، فلا بد أن تصدق، لأن الله قال "ومن أصدق من الله قيلا" وقال فى القرآن أنه "هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب" فلو أنك لا تؤمن بالغيب، فهذه قضية أخرى تستوجب الكلام فى الثوابت ماقبل الإيمان بالقضاء.
فقال: لا، الحمد لله، أنا مؤمن بالله ومؤمن بالغيب، ولكنى أقنط من الابتلاء. وكنت أود لو أجد منه مهربا.
فقلت له: قال الله تعالى "نحن خلقناهم وشددنا أسرهم، وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا" أى لا مهرب من منه إلا إليه، وهذا يثبت قيوميته على خلقه. وإذا لم يعجبك قضاؤه، فافعل ماشئت، واعلم أن ألله لاتضره معصية العاصى، ولا تنفعه طاعة المطيع، فهو القائل فى الحديث القدسى "... إنكم لن تبلغوا ضرى فتضرونى ولن تبلغوا نفعى فتنفعونى" وهو القائل "وإن تتولوا، يستبدل قوما غيركم، ثم لا يكونوا أمثالكم" أتظنه سيخسر شيئا إن أهلكك وقضى بأمرك إلى النار، ثم استبدلك بمن هو أفضل منك؟ فمن الخاسر إذن؟
فقال: ولكن الابتلاء شديد
فقلت: لأن سلعة الله غالية، فقد قال صلى الله عليه وسلم "ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله هى الجنة" ثم قال تعالى فيها "نعيم مقيم" وليست ظلا زائلا.
فقال: ولكنى أقنط حين أرى العصاة والكفار فى نعيم وغنى ورغد من العيش.
فقلت: إنه لولا أن الله حسب لإيمانك حسابا لأعطاهم أكثر من ذلك فى الدنيا فقد قال "ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سُقُفا من فضة ومعارج عليها يظهرون" ليس ذلك فقط بل قال "وزخرفا" ثم عقب على كل ذلك قائلا "وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا" ثم أظهر حقيقة القضية والإنصاف فيها فقال "والآخرة عند ربك للمتقين" وهؤلاء المتقين قال فيهم فى البداية "الذين يؤمنون بالغيب"
سكت صاحبى قليلا ثم قال، ليت نفسى تطمئن.
فإن لم تطمئن نفسك بهذا فأنكر عليها، كيف تقنط من قضائه وتسأله من عطائه، كيف تثور على ابتلائه وترغب جنته وتطلب من نعمائه، وكيف ترفض قضاءه وأنت تعيش من رزقه وتقوم وتقعد بعنايته. كيف تقنط من حكمه وهو القائل "ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون" وكيف تحاسبه على قضائه فيك وهو الذى "لا يُسأل عما يفعل"؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!
فابتسم صديقى واستغفر ربه، وخر راكعا وأناب.
الحوار حقيقى، وقد دار بينى وبين أحد أصدقائى منذ فترة غير بعيدة، وقد أعدت صياغته كتابة، واستأذننى بعض أصدقائى فى نشره، ولم أمانع، وقد تكرموا بالتذيل بأن المقال لى. إلا أنى آثرت أن أتأخر فى نشره، لحين أجد ظروفا عامة تستدعى ذلك، وأظنها قد جاءت.
ResponderEliminarأنشره الآن بمناسبة المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية 2012، مخاطبا به كل من قد أدى ماعليه من شهادة واجبة، فأدلى بصوته على الوجه الذى يرى فيه مصلحة البلاد والعباد. لمن اجتهد فيما بين يديه، ولله عاقبة الأمور. ألا يحزن من النتائج مهما كانت، فهنيئا له، فقد برأ ذمته أمام الله. وقال مارآه حقا، وما اطمأنت إليه نفسه. وقضاء الله نافذ لا محالة.
ResponderEliminar