بعد أن عدت من الخارج، وعلى خلفية صورة الكلب الذى قبضت الشرطة على صاحبة فى محاولة لسرقة فتاة من المارة، حررت الشرطة المحضر فى الشارع مسجلا بالصوت والصورة وعلى الفور قيدوا الشاب الأفريقى وحملوه إلى السيارة، لم يستغرق الأمر أكثر من عشر دقائق منذ أمسكت الشرطة السرية بالشاب، واستدعوا الشرطة النظامية وانتهى الأمر بتقييد الشاب وحمله إلى السيارة، ولكن.... "الكلب" كان الشاب يصطحب كلبا أسود يتألق إلى جانب صاحبه فى براءة الكائن النقى المخلص الذى لا يعرف ما يجنيه صاحبه...
وقف الكلب فى ذهول لا يسطيع للأمر تفسيرا... ووقفت الشرطة تحاول تسليم الكلب لأى شخص يقوم على رعايته... استغرق الأمر قرابة الخمس عشرة دقيقة... حتى تقدم شابان وفتاة وتسلموا الكلب من الشرطة وأحضروا له طعاما وشرابا ولكن الكلب رفض كل شئ، حتى إنه لم يبرح مكانه ولم يتحرك، كانت الرطوبة عالية والعطش شديد، ولكن الكلب لم يلعق لعقة ماء واحدة، وظل يلهث بشدة. الشاهد من الأمر، أن الشرطة لم تمتهن اللص، واحترمت الحياة فى كلبه، فلم تتركه ضالا حتى سلمته إلى من يعتنى به.
قبل السفر، كنت قد أخليت شقتى من كل ما يقوم الحياة، حتى لا تقوم حياة لحشرات أو كائنات غير مرغوب فيها. وصلنا إلى مستقرنا من السفر فجرا، فلم تكن هناك من فرصة لشراء أى طعام أو شراب. استيقظت فى الصباح لشراء إفطار، وبينما نحن وقوف بين يدى كاشير المطعم، اقتربت سيارة فى بلاهة بالغة، وظلت تنحدر نحو منضدة عالية يقف عليها رجل يستقبل رواد محله للحساب، ابتعد الجميع فى حركة فوضوية كما يطير الحمام فى ميدان كاتالونيا حين يباغته الأطفال بالجرى وراءه... جرى الناس فى كل اتجاه إلا من شاب يبلغ الـ19 عشرة من عمره تقريبا... لم تتسن له فرصة للهروب، فانحصر بين السيارة وبين المنضدة، كادت السيارة أن تهشم عظام صدره وحوضه، سيارة سوزوكى نصف نقل وسائق غاشم، كل ما جناه الشاب أنه ضرب بكفه على جانب السيارة لينبه السائق أنه يكاد يموت... توقفت السيارة لحظة حتى نظر السائق فى المرآة اليمنى جهة الشاب، ثم انفعل وانطلق بشدة ينتقم من الشاب لجرم ما فعل، ولولا أن المنضدة لم تكن مثبتة إلى الأرض، ولولا أنها أخذت الشاب ومالت على الرجل التابع للمحل، لاندهس الشاب وخرجت أحشاؤه. وفجأة، خرج السائق ومعه رجلان فى قمة الغلظة والغضب... وانهالوا على الشاب ضربا وسبا، ولعنا لأنه أثار غضبهم بضربه على جانب السيارة الكريمة رضى الله تعالى عنها...
وقفت أحاول استيعاب المنظر، كادوا يقتلون الشاب، والآن يعاقبونه لأنه رفض أن يموت فى صمت... إنه لم ينطق بكلمة، فقط حاول أن "يفرفر" قبل أن تزهق روحه. حاولت التدخل ولكن منعنى ما سمعت من عبارات تهدف لتطييب خاطر السائق ومن معه من قبيل: "معلش ده عيل، مايعرفش حاجة!!!" و "خلاص، حصل خير يا اسطى... ماتزعلش، مش قصده"...
ساعتها انطلقت سالكا طريق العودة... ونسيت بقية نقودى لدى الكاشير، وكذلك البيض الذى كنت قد طلبته.
كل ما كان يتردد فى ذهنى ساعتها "يجب أن نموت فى صمت... يجب أن نموت فى صمت" ولكن ماذا إذا متنا فى صمت... وماذا أذا رفضنا الموت فى صمت... وماذا إذا أدركنا يوما أن الموت قد يكون أكرم من حياة مهينة، هل سنطلب ساعتها الموت؟!!! وهل سيكون موتا صامتا، أم سيكون موتا مصحوبا بصمت؟!!!

رائعة.. استمر
ResponderEliminar