martes, 7 de octubre de 2014

رسالة سياتل (فيديو)

أحدى صيغ نص رسالة سياتل "إلقاء إسبانى"

نص رسالة سياتل إلى الرئيس فرانكلين بيرس ردا على طلبه لترحيل الهنود الحمر إلى محمية فى شمال غرب واشنطن والاستيلاء السلمى على أراضيهم...

رد سياتل بخطاب على طلب فرانكلين بيرس، فالتقط منه د. هنرى سميث مقتطفات بكى وهو يكتبها، وكان يعرف لغة الدواميش، وصاغ مقتطفاته باللغة الإنجليزية، وأعاد صياغتها كاتب السيناريو التليفزيونى تيد بيرى Ted Perry فى سنة 1970 كالآتى: 

"رئيس واشنطن الأبيض العظيم أرسل إلينا ليخبرنا بأنه يريد أن يشترى بلادنا. الرئيس العظيم الأبيض يرسل إلينا أيضا بكلمات الصداقة والنيات الحسنة. نشكر له حسن ذوقه، فنحن نعرف أن صداقتنا لاتهمه كثيرا. سنحترم ما يعرضه علينا، فنحن نعلم أننا إن لم نفعل فإن ذلك الرجل الأبيض يستطيع أن يأتى بأسلحته النارية ويسلبنا أرضنا. لرئيس واشنطن الأبيض العظيم أن يثق فى كلمات الزعيم سياتل ثقته فى تداول فصول السنة. كلماتى ثابتة وجلية كالنجوم.
كيف يمكن شراء أو بيع السماء، أو دفء الأرض؟ تلك أفكار نستغربها. إذا لم يكن لأحد أن يمتلك عذوبة الهواء أو تدفق الماء. فكيف بالله تقترحون شراءها؟
إن كل رقعة فى هذة الأرض مقدسة لدى شعبى. كل فرع صنوبر متألق فيها، كل حفنة من رمل على سواحلها، ظلال غاباتها الكثيفة، كل شعاع من ضوء، وحتى طنين الحشرات، كلها مقدسة ومحفورة فى نفوس وذاكرة كل أهل بلدتى.  إن نسيج أجسام الشجر فيها يحمل تاريخ الرجل ذى الجلد الأحمر.
إن موتى الرجل الأبيض ينسون أوطانهم حين يسرحون بين النجوم. بينما موتانا لاينسون هذه الأرض الجميلة أبداً، لأنها أم الرجل ذى الجلد الأحمر. نحن جزء من الأرض وهى جزء منا. الزهور العطرة أخواتنا، الأيل والخيل و النسر المهيب كلهم إخواننا. إن القمم الصخرية، والقنوات الرطبة التى تجرى بين الحقول، ودفء أبدان المهور والإنسان، الكل ينتمى إلى نفس العائلة.
لذلك، فإن رئيس واشنطن الأبيض العظيم حينما يزعم أنه يريد شراء أرضنا، فقد عز مطلبه. يدعى سيادة الرئيس الأبيض العظيم أنه سيضمن لنا مكانا نعيش فيه راضين. سيكون هو أبونا، وسنكون نحن أبناؤه. وعلى أساس ذلك، فسوف نفكر فى عرضه لشراء أرضنا. وليس ذلك علينا بيسير، فهذه الأرض مقدسة عندنا. إن هذا الماء البراق الذى يتدفق بين الجداول ويجرى فى الأنهار ليس مجرد ماء، وإنما هو دماء أجدادنا. إذا بعناكم هذه الأرض فإنكم لابد أن تذكروا دائماً  أنها مقدسة، ولابد أن تعلموا أولادكم أنها مقدسة. ذلك وأن كل مظهر تعكسه مياة البحيرات الرائقة إنما هو يحكى وقائع وذكريات من حياة شعبى. إن تهامس الأنهار إنما هو صوت أجدادى.
الأنهار إخواننا، تروى طمأنا. الأنهار تُقل قواربنا وتطعم أبناءنا. إذا بعناكم أرضنا فلابد أن تذكروا أنتم وأن تعلموا أبناءكم أن الأنهار إخواننا وإخوانكم، وبناءًا عليه؛ فلابد أن تعاملوا الأنهار كما تعاملون إخوانكم.
نعلم أن الرجل الأبيض لايستوعب عاداتنا. تتساوى عنده أى قطعة أرض وأخرى، فما هو إلا غريب، يأتى ليلاً ليخرج من بطن الأرض مايحتاج. الأرض ليست أخته، وإنما عدوه. بعدما يحتلها، يمضى مواصلا طريقه، تاركا خلفه قبور أجداده، لا يعبأ بذلك. يسلب الأرض حق أبنائها، ولا يكترث.
ينسى مقبرة أبيه ويتناسى حقوق أبنائه. يعامل أمه الأرض وأخته السماء كما لو كُنَّ أشياءًا تُشترى، و تُنهبُ و تُباع، كالخِراف أو التحف المُلَونة. لديه نهم لالتهام الأرض، فلا يتركها إلا صحراء جرداء.

لست أفهم، عاداتنا فى الحياة تختلف عن عاداتكم. ربما يكون ذلك لأنى رجل بدائيٌ ولست أستوعب.
لايوجد مكان هادئ فى مدن الرجل الأبيض، لايوجد مكان يمكن فيه سماع حفيف أوراق الشجر فى الربيع أو طنين أجنحة حشرة طائرة.  ولكن ربما يكون هذا لأننى رجل غابة ولا أستوعب الأمور. إن ضوضاء المدن تبدو كأنها تسب الأسماع.
ماذا يتبقى من الحياة إذا لم يعد يمكن للمرء سماع بكاء الوحدة من طائر، أو نقيق الضفادع ليلاً حول بحيرة؟ أنا رجل ذو جلد أحمر ولست أعى شيئا. الهندى يهيم بدندنة الهواء حين يثير التجاعيد فوق سطح البحيرة، ورائحة الريح الطاهرة غسلها مطر الظهيرة أو تلك التى تأتى محملة بعطر الصنوبر.
إن الهواء شئ مقدس لدى الرجل ذى الجلد الأحمر حيث إن كل الأشياء تتقاسمه. الحيوان والشجر والإنسان، الكل يتقاسم نفْسَ الأنفاس. يبدو وكأن الرجل الأبيض لا يشعر بالهواء الذى يتنفسه، فهو كالميت الذى لا تؤذيه رائحه النتن. بينما إذا بعنا أرضنا للرجل الأبيض، فلابد أن يعرف أن الهواء قيم عندنا، فالهواء يقتسم روحه مع كل حياة يحفظ بقاءها. إن الهواء الذى وهب أسلافنا أول أنفاسهم، هو نفسه الذى تلقى آخر زفراتهم. فإذا بعناكم أرضنا، فلا تمسوها بسوء و حافظوا على قداستها كمكان يستطيع حتى الرجل الأبيض أن يتذوق فيه الهواء المُحَلَّى بزهور المروج.
ولذا، فسوف نتأمل عرضكم لشراء أرضنا. وإذا قررنا القبول، فسأشترط شرطا؛ أن يعامل الرجل الأبيض الحيوانات والأرض معاملَتَهُ إخوانَه.
أنا رجل غابة ولا أستوعب أى طريقة سلوك أخرى. رأيت آلاف الجواميس تتعفن عند السهل، أطلق الرجل الأبيض عليها النار من قطار مارٍ. أنا رجل غابة ولست أستوعب كيف لهذا الحصان الحديدى المثير للدخان أن يكون أهم من الجاموسة، التى نضحى بها فقط لنعيش نحن.
ماقيمة الإنسان بدون الحيوانات؟ إن الحيوانات إذا اختفت، فسيموت الإنسان بسبب وحدة الروح القاسية، فكل ما يصيب الحيوانات، ببساطة سيصيب الإنسان، هناك ترابط فى كل شيئ.
يجب عليكم أن تعلموا أبناءكم أن الأرض من تحت أقدامهم إنما هى رفات أجدادهم، لعلهم يحترمون الأرض. وقولوا لهم أيضا أن الأرض ذاخرة بحياة شعبى. علموا أولادكم ما نعلمه لأولادنا؛ أن الأرض هى أمنا. كل ما يعترى الأرض يصيب أبنائها. فأيما رجل بصق على الأرض فإنما يبصق على نفسه.
هذا هو ما نعرفه، ليست الأرض هى من ينتمى إلى الإنسان، بينما الإنسان هو الذى ينتمى إلى الأرض. هذا هو ما نعرفه؛ كل الأشياء مترابطة فيما بينها كما يربط الدمُ أبناء العائلة الواحدة. هناك ترابط فى كل شيئ.
إن ما يحدث للأرض، سيحدث لأبنائها. إن الإنسان لم ينسج شبكة الحياة؛ وإنما هو مجرد خيط فيها. كل مايفعله فى هذه الشبكة فإنما يفعله فى ذات نفسه.
حتى الرجل الأبيض الذى يتمشى معه إلاهه ويتحدث إليه كالصاحب لصاحبه لايمكن استثناؤه من المصير المشترك. لعلنا نكون إخوة على الرغم من كل شئ، سوف نرى. -نوعا ما- نحن نعرف أن الرجل الأبيض سيكتشف يوما: أن إلهنا هو نفس ذات إلهه.
والآن لعلكم تظنون أنكم تحتكرونه، كما تريدون أن تستحوذوا على أرضنا. ليس ذلك ممكنا. إنه إله البشر، ورحمته بالرجل ذى الجلد الأحمر و الأبيض سواء.
الأرض قيمةٌ، وازدراؤها؛ ازدراءٌ لخالقها. إن الِبيض أيضا سيموتون وربما قبل الأجناس الأخرى. إنكم إذا لوثتم أَسِرَّتكم فستموتون مختنقين برائحة نفاياتكم.
عندما تُجلوننا عن هذه الأرض، فسوف تمتدحون بشدة قوة الإله الذى أتى بكم إلى هذه الأراضى، ولعلة لا يعلمها إلا هو أورثكم الأرض، وعهِد إليكم بأمر الرجل ذى الجلد الأحمر.
هذا المصير يبدو لنا لُغزا –محيرا-، فنحن لا نفهم العلة وراء إبادة الجواميس، وترويض كل الخيول الشجاعة، وأن تُشبع الأركان الخبيئة فى الغابة الكثيفة برائحة الرجال الكثيرين، وأن تعكر أسلاك التليفون منظر الجبال.
مالذى حدث للغابة الكثيفة؟ اختفت.
مالذى حدث للنسر؟ اختفى.
انتهت الحياة، والآن يبدأ البقاء."

نهاية نص تيد بيررى. 

domingo, 14 de septiembre de 2014

الرئيس سياتل!!! نسب... وبطولة... وتاريخ!!!

منذ باكورة فجر تاريخ الولايات المتحدة الأميريكية، والذى بدأ بالأمس القريب جدا، و سياسيتها البلطجة وبناء الأبراج على جثث العظماء... لقد اعتاد قواد ومؤرخو أميريكا الضخام (لا ذوى الفخامة) أن يصفوا عدوهم الذى انتصروا عليه بقمة العظمة والذكاء والقوة وأن يمجدوه... الأمر الذى ينعكس إيجابا على صورة المنتصر... بالطبع سيعنى ذلك أنهم أعظم، وأذكى وأقوى وأجدر بالتمجيد... وهو مالايعدو أن يكون نرجسية يصاب بها المراهقون الذين لا تنتهج أسرهم منهجا سليما فى تربيتهم، فتدفعهم أمراضهم النفسية وسوء أدبهم لتعريف أنفسهم من خلال الآخرين...
قرأت رسالة سياتل، وأصابتنى حُمى النص... فطفقت أقرأها وأعيد قراءتها وأتصل بمؤلفين وكتاب من أميريكا الجنوبية حتى دارت حوارات عديدة بينى وبين الكاتبة ماريا فيشنجر وأمدتنى بمعلومات قيمة حول الموضوع، فقمت بدراستها وترجمة معظمها، وسأقوم بنشره من خلال مدونتى على فصول، أفضل أن يكون أولها التعريف بالرئيس سياتل، ومكانته بين قبائل الهنود الحمر التى كان يرأسها، وكذلك الإطار التاريخى الذى وردت فيه الرسالة. ولعل من يقرأ الرسالة و ما يحيط بها من إطار تاريخى، يعرف حقيقة حجم عصابة كالولايات المتحدة الأميريكية، التى تقفز على الحضارات، وتنتهك الإنسان، وتمتهن الكرامة، ولا تعترف إلا بنفسها التى فى الحقيقة قد نمت من الرمم... ولا تزال كالكلب العقور... يهيج بين الناس كالثور ولا يسلم من فكه مسالم ولا محارب...
سأكف هنا أنا عن الكلام، فلن أقول أكثر مما قيل فى أميريكا، ولكن دعونى أقدم لسياتل (ترجمة لما أمدتنى به الكاتبة ماريا فيشنجر).
من هو الرئيس سياتل؟
          الرئيس سياتل هو ابن السيد سشويابى، أحد نبلاء قبيلة سوكواميش دى أجاتى باس، وأمه السيدة شوليتثا، من قبيلة دواميش من جنوب نهر "جرين ريفر". وحسبما تؤرخ بعض الدراسات فإنه يُعتقد أن سياتل قد وُلد فى عام 1786 فى جزيرة بلاك أيلاند، وهى جزيرة صغيرة تقع فى الجنوب من جزيرة برينبريدج. وقد مات سياتل فى عام 1866، فى جراء الأوبئة التى جلبها الوافدون الأوربيون، والتى قضت تدريجيا على السكان الأصليين.
          كان سياتل رئيسا لست قبائل وهو بين العشرين والخامسة والعشرين من عمره، وقد ظل رئيسا لهذه القبائل حتى وافته المنية.
          تم تعميد سياتل من قِبل الكنيسة على أيدى قسس مقيمين بالدير، وقد تم تسجيله فى سجلات الكنيسة باسم نوح سياتل، كذلك تم تعميد أبنائه إلا واحدا كان قد توفى قبل هذا التعميد. ظل سياتل المتحدث الرسمى باسم القبائل التى يرأسها والقبائل الأخرى من الهنود الحمر التى كان رؤساؤها يفوضون سياتل فى التحدث باسمهم وإبرام الاتفاقيات مع الوافدين الأوربيين نيابة عنهم، وقد بدأت هذه المفاوضات فى (1854) وأسفرت عن توقيع اتفاقية بوينت إليوت –موكيلتيو سنة (1855) والتى نصت على أن يقوم الهنود بتسليم مليونين ونصف مليون فدان من الأرض لحكومة الولايات المتحدة، أن يتم تعيين حدود محمية تعيش فيها قبائل السوكواميش.
          كان الزعيم سياتل صديقا للأوربيين، إلا أن التدفق المحموم للحملات الأوربية الباحثة عن الذهب قد استولت على بلاده. ألقى سياتل هذا الخطاب البديع أمام إسحاق ستيفن حاكم واشنطن، بعد توقيع اتفاقية بورت إليوت، والتى اضطر الهنود لقبولها خوفا من أسلحة الوافدين الأوربيين، وحقنا لدمائهم، وقد سلموا بموجبها أراضيهم للأمريكان، وتم احتجازهم فى محمية.
          حسبما ذكر الدكتور سميث فى تعليقاته على خطاب سياتل كما ورد فى مدونة "صن داى ستار سياتل" حيث يقول "... حتى فترة قريبة كان الهنود يعتقدون أن جورج واشنطن لا يزال حيا، كما أنهم كانوا إذا ذُكر أمامهم اسم واشنطن، فإنهم يخلطون بين كونه اسما لرئيس واسما للمدينة. كانوا أيضا يعتقدون أن الملك جورج لا يزال ملك إنجلترا، وذلك لأن تجار خليج هودسون كانوا يطلقون على أنفسهم اسم "رجال الملك جورج". ولذلك فإن سياتل حين يوجه كلاما للرئيس جورج واشنطن، فى خطابه، فله عذره.
          تم نشر هذه الوثيقة للمرة الأولى سنة 1877، أى بعد 22 سنة من تاريخ إلقاء الخطاب. وتعتبر ترجمة هنرى سميث هى الأقرب والأكثر أمانة فى نقل كلمات سياتل.
          يقول الدكتور سميث أن العجوز سياتل هو أكبر وأعظم شخصية رآها بين الهنود، وهو أكثر زعماء الهنود له مظهر النبلاء الحقيقيين. وكان طوله حوالى ست أقدام يعلوها فوق حذائه التقليدى الذى يخلو من الكعب. كما كان عريض المنكبين ذو صدر قوى، ومظهر مهيب. عيناه الواسعتان ذكيتان ومعبرتان، وعندما كان يصمت، كانتا تعبران عن مشاعر حقيقية مختلفة تنم عن نفسه العظيمة التى تطل من خلالهما. كان بشكل عام رجلا ذا هيبة واحترام وصمت، إلا أنه فى الخُطوب الجليلة كان يتحرك بين الجموع كالعملاق بين الأقزام الضعاف.
عندما كان سياتل يقوم ليتحدث فى المجلس، فإنه كان يظل مُحاطا بالهيبة، تعلق به العيون، تخرج عباراته البليغه العميقة الرنانة من بين شفتيه كالشلال الذى لا يتوقف، لا يسيل منه الماء، وإنما الرعد. وكان له مظهر النبلاء، كما أنه كان يعتبر زعيما حربيا متحضرا، مقارنة بكل قوات القارة قاطبة. فلم تكن بلاغته ولا هيبته ولا احترامه أشياءً مكتسبة، وإنما على العكس تماما، كانت كلها صفات شخصية رجولية متأصلة فى سياتل.
كان لسياتل تأثير عظيم على الهنود الحمر، كان بإمكانه أن يكون إمبراطورا، إلا أن تصرفاته الديمقراطية وحكمه فى رعاياه بالعدل والخير حالا دون ذلك. كان سيتيل أيضا ودودا وواعيا مع الأوربيين، وبخاصة فى ساعة الالتفاف حول مائدة المفاوضات، فقد كانت له أخلاق فارس. كان رجلا ساميا، له شخصية قوية، وكان كفيلا أن يؤجج مشاعر أتباعه بخطاب يصل بمعانيه إلى أعماقهم. استطاع أن يستوعب هدف الغزو، وسعى –دون جدوى- لإيجاد طرق أخرى تحقق مصالح شعبه، فقد حبذ ورحب بانتقال الأطباء ورجال الصناعة إلى أرضه، إلا أنه لم يكن أمامه إلا طريقا واحدا محتوما دفع به إليه الوافدون الجدد.
كان الهنود الحمر متجمهرين عند الخليج –خليج هودسون-، وكانت المراكب تحاصر الشاطئ، وكانت الجموع على الشاطئ يغطيها الغبار من كثرة حركتهم، حتى انطلق صوت سياتل المهيب فيهم فتحولت الجَلَبةُ إلى صمت والحركة إلى سكون، فصار الشاطئ والخليج كالسماء الرائقة بعد سكون الرعد.
بعد أن قام الحاكم مينارد بتقديم الرئيس سياتل للجموع، وأخبرهم أن له كلمة سيلقيها، سكت الجميع انتظارا لما سيقول سياتل. فقام سياتل باحترامه وهيبته، وعليه سمات الحكيم المدرك للمسؤلية التى تقع على كتفيه تجاه شعبه العظيم. وضع يدا على رأس الحاكم مينارد وأخذ يشير بسبابة يده الأخرى إلى السماء فى هدوء، ثم انطلق يلقى خطابه البديع فى روعة وثبات.
لقد صارت الجملة الحكيمة التى قالها سياتل "... تنتهى الحياة ويبدأ البقاء" حكمة نبوية لدى الهنود، وخرطت صفة الحكمة على ابنة سياتل من بعده. ففى حوالى عام 1890 فى مدينة سياتل نفسها، قام المصور الأمريكى إدوارد س. كورتيس، بالتقاط أول صورة فى تلك السلسلة من الصور التى حققت شهرة عظيمة فيما بعد فى مجال اهتمامه، الذى كان ينصب على تناول القبائل التى فى طريقها للانقراض بعد زوال حضارتها. وكانت الصورة المثالية من هذه المجموعة هى صورة الأميرة أنخلينا، ابنة سياتل، والذى سميت المدينة باسمه تعظيما له. تلك الأميرة التى أهلكها الهرم والحزن، قبلت بتواضع الدولار الذى قدمه لها المصور كورتيس على سبيل الشكر على موفقتها لمنحه فرصه التقاط هذه الصورة لها. ولو أننا استوعبنا مضمون رسالة الرئيس سياتل، لرأينا فى الأميرة أنخلينا التى جلست أمام عدسة الكاميرا دون أى أمل فى الحياة مثالا مؤلما للبشرية جمعاء.
مقاربة تاريخية
فى منتصف القرن التاسع عشر، بلغ زحف المحتلين الأمريكان مالا يمكن أيقافه، فسقط السكان لأصليون من الهنود، أمام الجيوش الأميريكية بسبب غرقهم فى الحروب والخلافات الداخلية، وهزيمتهم العسكرية مرة تلو الأخرى. كما أنهم قد خنقتهم خلافاتهم وأهلكتهم الأوبئة التى حلت ببلادهم مع وصول المحتلين، فواجه الهنود الحمر الانقراض كمصيرمحتوم. ومن هنا تولدت أسطورة الغرب البائد. وقد أكد السكان الأصليون لما يعرف الآن بمدينة واشنطن، أن هزيمتهم العسكرية أمام الجيوش الأمريكية انتهت باستسلام الهنود الحمر اتخذ شكلا سياسيا أسموه معاهدة بوينت إليوت للسلام سنة 1854.وقد جرت مراسم المعاهدة بين زعيم الهنود الحمر سياتل، وكان زعيما لست قبائل هندية، وحاكم الدولة إسحاق آى. ستفينز.
لا تهمنا فى هذا الصدد قصة الرئيس الأميريكى فى احتلال أراضى الهنود الحمر وتحديد أراضيهم فى مجرد محمية، لأنها ببساطة لا تعدو أن تكون مجرد اتجاه إجبارى سلكه بصفته ممثل السلطات الاقتصادية والاجتماعية للمهاجرين الأوربيين فى تلك الفترة، وقد كانت بلاده تمر بطفرة اقتصادية لا بد لها من أن تسير قدما، ولكى يتقدم المسير، كان لا بد من استغلال كل شبر من الأراضى المحيطة.
كان موقف الرئيس سياتل شديد الحرج حيال هذه الاتفاقية، فهو كما ورث النبل والشرف عن أبيه السوكواميشى، وأمه الدواميشية، وصار رئيسا لست قبائل فى الشمال الغربى لأميريكا، والجنوب الغربى لكندا، فقد ورث أيضا الموقف السياسى الشديد الحرج، الذى أجبره على توقيع هذه المعاهدة والتى كانت الطريق السلمى لقبول الإبادة المؤكدة فى صمت وهدوء، وقد أهله ذكاؤه أن يدرك أن الأمر ليس اختيارا، وأن الاستسلام لا يعنى الإبادة الفورية، ولكن يعنى قبولها فى إطار مجتمعى مقبول وعلى مدى طويل بصورة أكثر بطأً. وقد تجلت هذه الفكرة فى خطابه حين قال لا يهمنا كثيرا أين سنمضى بقية أيامنا. فهى على كل حال قليلة. ليل الهندى يتوعده بسواد أحلك" وأيضا "لم تبق إلا أُهِلَةُ قليلة، شتاءات قليلة، ولن يبقى أحد من سلالتنا على قيد الحياة."
اعتبارات حول الرسالة
توضح الرسالة الوضع الحقيقى للإنسان فى الطبيعة، حيث يؤكد سياتل على أن الإنسان ليس هو خالق الطبيعة كما أنه لا يملكها، فهو مجرد خيط فيها، لا يحق له التصرف فيها تصرف المالك، وإنما يجب أن يكون تصرفه من منطلق المسؤلية الواعية والمدركة لدوره فى الطبيعة، فهو مجرد شريك للكائنات من حوله، وليس مالكا لها.
أيضا يحذر سياتل من الغرور بنمو الحضارة ونضجها، فهو لا يعنى الوصول لقمة لا مهبط منها، وإنما تستوى وتستتب الأمور لفترة ثم يبدأ تداول الأيام، ليسقط القوى ويحمل اللواء من بعده من كان ضعيفا، وهو ذات ماحدث مع حضارة الهنود، كانت أكثر خصوبة وكان لها من الآمال والطموحات والمستقبل ما يفوق الحضارة الأوربية، ولكن بوصول المحتلين الأوربيين أُبيدت حضارة الهنود الحمر ودخلت فى طريق الانقراض، الطريق الذى سيطوى صفحتها بالنسيان، لتقوم حضارة أخرى وتترعرع على نفس الأرض، طامسة كل ما يمت بصلة للقديم، ومنشئة ما تؤمن به، تطمس الغابات، والطبيعة، وتشق بطن الأرض بحثا عن الذهب. تطمر المروج وتنشئ المدن، وتشد شبكة الأسلاك التليفونية والكهربية فوقها، وتقتل الحيوانات، لينطلق القطار. ولكنه يؤكد أيضا على أن العلاقة بين الإنسان والطبيعة علاقة وثيقة، وأن إفساد الطبيعة هو إفساد للإنسان أيضا.
ويحلل سياتل أيضا عناصر الحياة فى الطبيعة، فيقول إن الحياة لا تقتصر على الإنسان، بل إنه كما فى الإنسان حياة، ففى الحيوان حياة وفى النبات حياة وحتى الصخور الجامدة فيها حياة، فلا بد من إقرار السلم بين كل الأحياء فى الطبيعة، واستبعاد العنف، لإمكان التعايش بين الكائنات فى الطبيعة (إلا أن العنف يكون أحيانا وسيلة الدفاع التى لا مهرب منها).
كما أن تحذيراته المشددة وتهديداته للأميريكيين بأنهم إذا لم يلتزموا بأخلاقيات وحكمة التعامل مع الطبيعة فإن حضارتهم ستلقى مايتنظرها من شر (عدم الأخذ فى الاعتبار هذه التحذيرات قد يكلف الكثير فى التكاثر البيئى والإنسانى الذى يطغى اليوم على العالم)
لقد كان سياتل بمثابة منشئ الجسور بين عالم يستسلم وآخر ينمو، بين معرفة وحكمة تعكس خلاصة تجارب دامت لآلاف السنين، وأخرى ناشئة وغير راسخة. ينشئ جسورا بين مغامرة بدخول حرب انتحارية وسلام يضمن مجرد البقاء على قيد الحياة. جسورا بين اليأس والأمل، بين الفناء والتسامى.
كان سياتل رجلا محاربا شجاعا قوى البأس والشكيمة، وله من الحكمة مايؤهله لأن يحسن الاختيار فى المواقف العصيبة بين سلوك مسلك الحرب والمراهنة برجاله أو الاستسلام لتجنب العنف الذى تليه الهزيمة المحققة. فلم يختر الاستسلام إلا لأنه أدرك أن الحرب خاسرة، وهو ابن ميدان يعرف معنى خسارة الأرواح، ففضل اختيار الإبادة السلمية والانقراض عبر سنوات، على الدخول فى حرب يخسر فيها الرجال وتموت فيها النساء ويتشرد الأطفال، وتصبح نهاية شديدة المأسوية.
بدأ سياتل حياته بالفنون الكهنوتية المتقدمة، فاكتسب خبرة ومعرفة وحكمة جعلت منه شخصية نبوية ذات بصيرة حادة ونبوءات صادقة. ويجدر بنا هنا أيضا الإشارة إلى أن أصل اسم سياتل فى لغته ينطق سيى – أهث، ويرجح البعض أن كلمة "سير - Seer  بمعنى"رجل متبصر"  فى الإنجليزية قد اشتقت من الجزء الأول لاسم سياتل. 


domingo, 10 de agosto de 2014

مٌت فى صمت!!!!!!

بعد أن عدت من الخارج، وعلى خلفية صورة الكلب الذى قبضت الشرطة على صاحبة فى محاولة لسرقة فتاة من المارة، حررت الشرطة المحضر فى الشارع مسجلا بالصوت والصورة وعلى الفور قيدوا الشاب الأفريقى وحملوه إلى السيارة، لم يستغرق الأمر أكثر من عشر دقائق منذ أمسكت الشرطة السرية بالشاب، واستدعوا الشرطة النظامية وانتهى الأمر بتقييد الشاب وحمله إلى السيارة، ولكن.... "الكلب" كان الشاب يصطحب كلبا أسود يتألق إلى جانب صاحبه فى براءة الكائن النقى المخلص الذى لا يعرف ما يجنيه صاحبه... 
وقف الكلب فى ذهول لا يسطيع للأمر تفسيرا... ووقفت الشرطة تحاول تسليم الكلب لأى شخص يقوم على رعايته... استغرق الأمر قرابة الخمس عشرة دقيقة... حتى تقدم شابان وفتاة وتسلموا الكلب من الشرطة وأحضروا له طعاما وشرابا ولكن الكلب رفض كل شئ، حتى إنه لم يبرح مكانه ولم يتحرك، كانت الرطوبة عالية والعطش شديد، ولكن الكلب لم يلعق لعقة ماء واحدة، وظل يلهث بشدة. الشاهد من الأمر، أن الشرطة لم تمتهن اللص، واحترمت الحياة فى كلبه، فلم تتركه ضالا حتى سلمته إلى من يعتنى به. 
قبل السفر، كنت قد أخليت شقتى من كل ما يقوم الحياة، حتى لا تقوم حياة لحشرات أو كائنات غير مرغوب فيها. وصلنا إلى مستقرنا من السفر فجرا، فلم تكن هناك من فرصة لشراء أى طعام أو شراب. استيقظت فى الصباح لشراء إفطار، وبينما نحن وقوف بين يدى كاشير المطعم، اقتربت سيارة فى بلاهة بالغة، وظلت تنحدر نحو منضدة عالية يقف عليها رجل يستقبل رواد محله للحساب، ابتعد الجميع فى حركة فوضوية كما يطير الحمام فى ميدان كاتالونيا حين يباغته الأطفال بالجرى وراءه... جرى الناس فى كل اتجاه إلا من شاب يبلغ الـ19 عشرة من عمره تقريبا... لم تتسن له فرصة للهروب، فانحصر بين السيارة وبين المنضدة، كادت السيارة أن تهشم عظام صدره وحوضه، سيارة سوزوكى نصف نقل وسائق غاشم، كل ما جناه الشاب أنه ضرب بكفه على جانب السيارة لينبه السائق أنه يكاد يموت... توقفت السيارة لحظة حتى نظر السائق فى المرآة اليمنى جهة الشاب، ثم انفعل وانطلق بشدة ينتقم من الشاب لجرم ما فعل، ولولا أن المنضدة لم تكن مثبتة إلى الأرض، ولولا أنها أخذت الشاب ومالت على الرجل التابع للمحل، لاندهس الشاب وخرجت أحشاؤه. وفجأة، خرج السائق ومعه رجلان فى قمة الغلظة والغضب... وانهالوا على الشاب ضربا وسبا، ولعنا لأنه أثار غضبهم بضربه على جانب السيارة الكريمة رضى الله تعالى عنها... 
وقفت أحاول استيعاب المنظر، كادوا يقتلون الشاب، والآن يعاقبونه لأنه رفض أن يموت فى صمت... إنه لم ينطق بكلمة، فقط حاول أن "يفرفر" قبل أن تزهق روحه. حاولت التدخل ولكن منعنى ما سمعت من عبارات تهدف لتطييب خاطر السائق ومن معه من قبيل: "معلش ده عيل، مايعرفش حاجة!!!" و "خلاص، حصل خير يا اسطى... ماتزعلش، مش قصده"... 
ساعتها انطلقت سالكا طريق العودة... ونسيت بقية نقودى لدى الكاشير، وكذلك البيض الذى كنت قد طلبته. 
كل ما كان يتردد فى ذهنى ساعتها "يجب أن نموت فى صمت... يجب أن نموت فى صمت" ولكن ماذا إذا متنا فى صمت... وماذا أذا رفضنا الموت فى صمت... وماذا إذا أدركنا يوما أن الموت قد يكون أكرم من حياة مهينة، هل سنطلب ساعتها الموت؟!!!  وهل سيكون موتا صامتا، أم سيكون موتا مصحوبا بصمت؟!!!