lunes, 21 de enero de 2013

أحلام فى الحمام

كلما دخلت الحمام، يلهينى المنظر فى الأرضية والحوائط الغريبة التركيب والتى تحوى العديد من الإيحاءات التى تجذب انتباهى وتسترعى اهتمامى لحظات تواجدى بهذا المكان الشديد الخصوصية. فى هذا المكان فقط، ينفتح حوار صادق جدا مع الذات، وتنطلق الأحلام والأوهام والأفكار الغريبة بشأن الوجود، والإنسان والأنا والمحيط والسيراميك ونقط المياه على الأرض والأشكال التى تنتظم وتختلف فى قاع السيراميك تحت الظلال التى تمتد على الأرض لتحجب ضوء مصباح السقف. قديما كانت أرضية حمام بيت العائلة من الرخام الأصفر، ذى العروق المتشعبة فيما بين القطع الغير منتظمة الشكل، بعضها يشكل رؤسا آدمية، وبعضها يشكل أذرع مبتورة لبشر بكل ما فيها من ملامح، وخطوط تجمع كلمات لها معنى وأخرى لا معنى لها، لعلها تكون من لغة ليست لنا، وبعض آخر يشبه حيوانات، وبعض آخر يعطيك أكثر من إيحاء، مقدمته تشبه الإنسان ومؤخرته تشبه الحيوان، وأسفل منه رخامة صفراء لا تحتوى على غير نقاط أكثر صفرة تدو كأنها تراب الصحراء أو حصاها، فى أسفل هذه الرخامة توجد رخامة أخرى تحتوى على مايشبه رجلى حصان، وذراع إنسان ووجه قط مشوه، وبقايا طعام وصلصة ورأس كرنبة. ما أن أصب الماء على الأرض إلا ويلمع على الرخام خيالى، وأرى شبحى المجسم فى قاع الرخام يحاكى كل تحركاتى. أهيم معه، وأسألنى، أينا الحقيقة، وأينا الخيال؟ لعلى حين أنام أصير هو، ولعله حين ينتبه يصير أنا؟ هل أنا فى الحقيقة فوق الأرض أم تحتها؟ ولو كنت فوقها؟ فمن الذى تحتها؟ وما دمت سأنزل تحتها يوما، فهل الحقيقة فى بطن الأرض أم على ظهرها؟ لماذا ينظر إلى هذا الشئ هكذا؟ هل لأننى أنظر إليه؟ أم لأنه يريد أن ينطق بالسر ويمنعه حاجز؟ أيهما أصح؟ ما يدور بخلدى؟ أم ما يكنه هذا الشئ؟ لعله يفكر فى نفس ما أفكر فيه؟ إن حياته تنبعث وتلمع كلما سكبت ماءً أكثر على الأرض؟ إنه يتشتت فى تماوج المياه، ثم يجمع شتاته بثبات سطحها. ترى هل إذا أنا مت، ودفنت فى الأرض، اتحد هو معى لنصير حياة أخرى؟ أم أننى لا أراه إلا فى الحمام؟
ذات يوم دققت النظر فى الصور التى تنعكس فى أرضية الحمام، فرأيتها أشلاءً توحى بآثار حرب انتهت للتو أحداثها. آثار عجلات حربية، وآثار رماح وسهام وحراب... وجدتنى أنظر فجأة إلى ذلك الركن النائى فى الحمام، والذى كنت دائما أرى فيه رخامة ركنها أسود غريب الشكل، لم أتبين ملامحه من قبل، فى هذه المرة فقط، تبينت فيه أربع أصابع كف يمنى وعين نصف مفتوحة تنذر بوعيد، وناب أبيض معقوف كمنقار صقر، نثرت الماء بالدش ضربة حظ لأرى كيف سيكون الإيحاء. فوجدت أغلب قطرات الماء سالت من طرف العين، ومن بين أصابع الكف، بينما سقطت نقطة واحدة على جانب الناب الذى يشبه المنقار... أردت أن أجرب الحظ للمرة الثانية، فأخذت الممسحة، ومسحت أرضية الحمام، ثم نثرت الماء فى هذه المرة من أسفل إلى أعلى، وما أن ارتفعت يدى بمحاذاة رأسى إلا وسمعت انفجارا يشبه انفجار القنبلة، يدوى الصوت فى الحمام، وأصبح الحمام معتما فى لحظة، سمعت صراخا حولى يدوى وطرقا على الباب، وقفت مكانى لا أتحرك وأيقنت بالهلاك، وكان عمرى وقتها سبع سنوات، تبينت صوت أمى تنادينى من خارج الحمام فى لهفة، لم أدرك أن الماء فجَّر المصباح إلا بعد أن سمعت صوت الزجاج يتكسر تحت الشبشب وأنا أتحسس طريقى لباب الحمام.
لم أعد أفكر بعدها فى الأشكال التى تبدو على الأرض أو الحوائط، وإن كنت لا أزال مشغولا حتى الآن بكنه ما حدث فى ذلك اليوم... هل يحملنى التفكير فى الحقيقة وراء الأشياء إلى النور؟ أم إلى العتمة تقودنى التجربة؟