sábado, 19 de octubre de 2013

كلنا كتب... وكل كتبنا... بعض منا!!!



عندما أقرأ عنوان كتاب، دائما أهتم بمعرفة المؤلف، لأنه مفتاح العلاقة عندى بين العنوان والنص. فمن المؤلفين من يكتبون عناوين براقة، ويختارون تغليفة بديعة، وتجليدة أنيقة، بالضبط مثل وجبة كنتاكى... الشكل فيها يسيل اللعاب... بينما القيمة الغذائية (تساوى صفر) والضرر من ورائها يتخفى فى ثوب النفع... ولكن دعنا نتخيل الأشخاص كالكتب.. فما الكتاب إلا موقف للمؤلف ووجهة نظر.. ومحطة على طريق حياته. بعض المؤلفين ينتجون الكتاب بعد تمعن وإتقان وجمع وتمحيص وتدقيق... ليكون كالبيضة الذهبية التى تنم عن جهد عظيم -على حد تعبير أستاذى ومشرف رسالتى- وبعضهم يكون كتابه مجرد وجهة نظر... قد يتراجع عنها فيما بعد وقد يتعصب لها تعصبا أعمى... فما ذنب من يتبنى أفكارا قد يرجع عنها من أنتجها وقدمها على مائدة قرائه؟!! والناس كتب كبيرة... قد نتصور عناوينهم أساليبهم وتعبيراتهم وكلامهم... وتجليداتهم تقدمتهم ودور نشرهم... المناسبات التى يتقدمون فيها ويتصدرونها... بعض الناس لا يخالف موضوعه عنوانه... كالكتاب الصريح... للكاتب المباشر القيم... وبعضهم يصدح بكلام رنان... ويحظى بمقدمة وتجليدة فاخرة... ولكنه ضخم الحجم عالى الصوت... خالى الجنان,,, كالطبل الأجوف...، لا زلت أذكر قصة "الطبل الأجوف" التى درسناها فى الصف الثالث الابتدائى، والتى كانت تحكى عن ذئب سمع صوتا هائلا حين طافت الريح بسرعة بين أغصان شجرة عليها طبل كبير... فقرعت الأغصان جنبى الطبل فصدر عنه الصوت المرعب الذى أخذ الذئب على حين غرة... ولكن الذئب انتظر يتأمل بعد أن هدأت الريح... لماذا علا صوت هذا الشئ الضخم.. ولماذا سكت فجأة... ثم ظل يناور الطبل حتى خرقه... فإذا هو على ضخامته... مجرد "طبل أجوف" هكذا بعض الناس... إذا تركتهم يتكلمون... ملأوا الدنيا كلاما... وإن ناظرتهم... سقطت عنهم عباءاتهم.. وتجردوا عريا وربما فروا هاربين... وربما أيضا وقفوا موقف الجهل عنادا ومكابرة مصرين على مايزعمون...

فى حين يظل بعض الناس ككتاب قديم بين مجموعة من الكتب القديمة المعروضة على الرصيف... فقد جلدته... ولم تبق عليه صفحة للعنوان... ولا حتى للمقدمة... مؤلفه مجهول... وفهرسه مفقود... وصفحاته عليها كلام... لا تصل منه إلى ما يقنعك بشرائه أو بتركه... تقف حائرا... هل تشتريه وتدفع فيه غالى الأثمان... وتنفق عليه بعد المال الجهد والوقت لتطلع على مافيه... أم تتركه على الرصيف حيث وجدته ولا تلقى له بالا.. فتظل طيلة عمرك تذكره على أنه الكتاب المغلق الذى لم تطلع على مافيه.... (كم على الرصيف من كتاب تافه... وكم عليه من كتاب قيم... وكم عليه من شئ قديم...) لقد أصبح الرصيف فى بلدنا عالما متكاملا.. فيه السبب وصاحب السبوبة.. وسكناه... وعمله وطعامه... ومخلفاته... فضلا عن المخلفات التى يقتات منها... سواء كانت كتبا... أم طعاما ينتقيه من مخلفات سكان الطوابق العليا التى لم يحلم يوما بالوقوف فى شرفاتها لينظر إلى العالم (الرصيف) نظرة من زاوية مختلفة... الرصيف زاخر بالحياة... ورؤسنا أرصفة زاخرة بالكلام... وصدورنا أرصفة ضائقة بالهموم... وحياتنا أرصفة نمر بها، ونبحث بجوارها على ركنة لسياراتنا... ومساكننا أرصفة نبيت بها ونركن فيها إلى شئ من السكينة ننشده على رصيف ألفناه.... كما ألف أهل الرصيف نومتهم وطعمتهم وحياتهم عليه... كم هو فظيع عالم البشر... وكنت يوما أظن أن عالم الحيوان أفظع... بينما فاق عالم الناطق الساكت عالم الساكت الأبكم... فياللسكوت من جريمة كبرى... فقد قال الحكيم لتلميذه "تكلم حتى أراك" وقال صلاح جاهين "اللى ماينطق كلام ياتُقل همه". وربما كانت استجابة لدعوة العقلاء الناس للكلام أن قام الكثير من أصحاب الورق بكتابة كلام على ورق... وربما بعضهم شرف الورق بثمين الكلم... وربما بعضهم أنهك الورق برسالة إلى ذى لب لم تصبه حتى شاب الورق... وفقد جلدته.. وضاع عنوانه... وطوى النسيان اسم كاتبه... حتى إذا وقعت الرسالة فى يد ذى اللب المعنى بها... والذى أعياه الاختيار... زهد فيها لجهله عنوانها... وكاتبها... وثقل عليه بذل الوقت فى البحث عن مضمونها... طوى الورق الكثير قرونا... ولعل من بين الشواهد... ما حاوله الباحث عن تحويل الحركة الطولية إلى حركة دائرية... وكتب الكثير عما ستنجزه هذه الفكرة لو نفذت... ثم طوى الورق أفكاره قرونا... حتى إذا تسلمه رجل آخر فى عصر آخر من واقع آخر فى ظل ظروف أخرى... فأدرك ماكان يرمى إليه مؤلف الكتاب... فأنجز الفكرة.. فكان اختراع الدراجات البدالة.. ثم القطارات التى تعمل بالفحم ثم السيارات التى تعتمد على الاحتراق ثم الحافلات ثم الطائرات... ثم المراكب الفضائية...
ذلك يوم أن كان الكاتب ينقل أو يفكر... أما منذ أن صار ينقل ويخشى أن يفكر... حتى لا يحاربه مجتمعه... قتل الإبداع... ولم لا نفكر... ألم يفكر علماء العرب فى كروية الأرض.. وهاجمهم الشعراء والأدباء وهجاهم الهجاؤن، ويزخر التاريخ بمثل هؤلاء، فهذا ابن عبد ربه يسخر من جديد الأفكار فى أبيات خلدت نظرته "
وقلت إن جميع الخلق في فلك ... بهم يحيط وفيهم يقسم الأجلا
والأرض كورية حف السماء بها ... فوقا وتحتا وصارت نقطة مثلا
صيف الجنوب شتاء للشمال بها ... قد صار بينهما هذا وذا دولا
كما استمر ابن موسى في غوايته ... فوعر السهل حتى خلته جبلا
أبلغ معاوية المصغي لقولها ... أني كفرت بما قالا وما فعلا"
إذا كان من حق الإنسان أن يكفر بشئ من العلم... أفلا يكون من حقنا أن نكفر ببعض الآراء؟... أو ببعض الأشخاص؟.. أو الأفعال؟... أو الكتب؟ أو الكُتاب؟!! كم فقدنا من الأصدقاء بسبب خلاف حول موضوع... أو رؤية أو مجرد رأى "ماتعرفوش ان الفلاسفة ياهوه... اللى يقولوه بيرجعوا يكدبوه؟! عجبى"

domingo, 19 de mayo de 2013

سمعت من الشيخ أحمد محمد فوده سنة 2001، حين التقيت به على غير موعدة وكان الشيب قد برى جسده الذى كان وقتها قد جاوز المائة وواحد، فهو كان يقول دائما، ولدت قبل ليلى مراد بعشرين يوما، فهو مسجل بمواليد 1 من يناير 1990، قال لى فيما قال أسفا على ماضيه "شعرت بأن القرن الماضى كان شخصا وقد ذهب بعد عشرة طالت، وأنشد حالى فى بيتىْ شعر، أحدهما تضمين من شعر أبى العتاهية"

إذا ذهب القرن الذى كنت فيه.... فأنت فى قرن أنت فيه غريب
ألا ليت الشباب يعود يوما .... فأخبره بما فعل المشيب

أما أبيات أبى العتاهية فيقول فيها:
بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عيني ..... فلم يُغنِ البُكاءُ ولا النّحيبُ
فَيا أسَفاً أسِفْتُ على شَبابٍ..... نَعاهُ الشّيبُ والرّأسُ الخَضِيبُ
عريتُ منَ الشّبابِ وكنتُ غضاً.... .... كمَا يَعرَى منَ الوَرَقِ القَضيبُ
فيَا لَيتَ الشّبابَ يَعُودُ يَوْماً ....... فأُخبرَهُ بمَا فَعَلَ المَشيبُ

وأنا إذ أذكر ذلك، أشعر أنى ربما لا آسى ولا آسف على نفسى يوما قدر أسفى على المغفور له أبى رحمه الله ورفع درجاته. شعرت بعد وفاته أننى قد أجتُثت أصولى من الأرض، فصرت كالنبات الطافى على وجه الماء، ولولا أن لى أما أزورها....

martes, 12 de febrero de 2013

من شعرنا العربى: بشار بن برد



بشار بن برد
جَـفا وِدَّهُ فَـازْوَرَّ أَو مَـلَّ صاحِبَهُ      وَأَزرى بِــهِ أَن لا يَـزال يُـعاتِبُه
خَـليلَيَّ  لا  تَـستَنكِرا لَوعَةَ الهَوى  وَلا  سَـلوَةَ  المَحزونِ شَطَّت حَبَاِئبُه
شَـفى الـنَفسَ ما يَلقى بِعَبدَةَ عَينُهُ      وَمـا كـانَ يَـلقى قَـلبُهُ وَطَبائِبُه
فَـأَقصَرَ  عِـرزامُ الـفُؤادِ وَإِنَّـما      يَـميلُ بِـهِ مَـسُّ الـهَوى فَيُطالِبُه
إِذا  كـانَ ذَوّاقـاً أَخوكَ مِنَ الهَوى      مُـوَجَّهَةً فـي كُـلِّ أَوبٍ رَكـائِبُه
فَـخَلِّ لَـهُ وَجـهَ الفِراقِ وَلا تَكُن      مَـطِـيَّةَ  رَحّـالٍ كَـثيرٍ مَـذاهِبُه
أَخـوكَ الَّـذي إِن رِبـتَهُ قالَ إِنَّما      أَرَبــتُ وَإِن عـاتَبتَهُ لانَ جـانِبُه
إِذا كُـنتَ فـي كُلِّ الذُنوبِ مُعاتِباً      صَـديقَكَ  لَـم تَلقَ الَّذي لا تُعاتِبُه
فَـعِش  واحِـداً أَو صِل أَخاكَ فَإِنَّهُ      مُـفارِقُ  ذَنـبٍ  مَـرَّةً وَمُـجانِبُه
إِذا أَنتَ لَم تَشرَب مِراراً عَلى القَذى      ظَـمِئتَ  وَأَيُّ الناسِ تَصفو مَشارِبُه
وَلَـيـلٍ  دَجـوجِيٍّ تَـنامُ بَـناتُهُ      وَأَبـنـاؤُهُ  مِـن هَـولِهِ وَرَبـائِبُه
حَـمَيتُ  بِـهِ  عَـيني وَعَينَ مَطِيَّتي      لَـذيذَ  الكَرى حَتّى تَجَلَّت عَصائِبُه
وَمـاءٍ تَـرى ريـشَ الغَطاطِ بَجَوِّهِ      خَـفِيِّ الـحَيا مـا إِن تَلينُ نَضائِبُه
قَـريبٍ مِـن التَغريرِ ناءٍ عَن القُرى      سَـقاني بِـهِ مُـستَعمِلُ اللَيلِ دائِبُه
حَـليفُ الـسُرى لا يَلتَوي بِمَفازَةٍ      نَـساهُ وَلا تَـعتَلُّ مِـنها حَـوالِبُه
أَمَــقُّ  غُـرَيرِيٌّ  كَـأَنَّ قُـتودَهُ      عَلى  مُثلَثٍ يَدمى مِنَ الحُقبِ حاجِبُه
غَـيورٍ  عَـلى  أَصـحابِهِ لا يَرومُهُ      خَـليطٌ  وَلا يَـرجو سِواهُ صَواحِبُه
إِذا مـا رَعـى سَنَّينَ حاوَلَ مَسحَلاً      يَـجِـدُّ بِــهِ تَـعذامُهُ وَيُـلاعِبُه
أَقَـبَّ نَـفى أَبـناءَهُ عَـن بَـناتِهِ      بِـذي  الرَضمِ حَتّى ما تُحَسُّ ثَوالِبُه
رَعـى وَرَعَـينَ الرَطبَ تِسعينَ لَيلَةً      عَـلى أَبَـقٍ وَالرَوضُ تَجري مَذانِبُه
فَـلَمّا  تَـوَلّى  الحَرُّ وَاِعتَصَرَ الثَرى      لَـظى  الصَيفِ مِن نَجمٍ تَوَقَّدَ لاهِبُه
وَطـارَت عَصافيرُ الشَقائِقِ وَاِكتَسى      مِـنَ الآلِ أَمـثالَ الـمُلاءِ مَسارِبُه
وَصَـدَّ  عَنِ الشَولِ القَريعُ وَأَقفَرَت      ذُرى الـصَمدِ مِمّا اِستَودَعَتهُ مَواهِبُه
وَلاذَ الـمَها بِالظِلِّ وَاِستَوفَضَ السَفا      مِـنَ  الـصَيفِ نَتّاجٌ تَخُبُّ مَواكِبُه
غَدَت  عانَةٌ تَشكو بِأَبصارِها الصَدى      إِلـى الـجَأبِ إِلّا أَنَّـها لا تُخاطِبُه
وَظَـلَّ  عَـلى  عَـلياءَ يَقسِمُ أَمرَهُ      أَيَـمضي  لِـوِردٍ بـاكِراً أَم يُواتِبُه
فَـلَمّا  بَـدا  وَجـهُ الزِماعِ وَراعَهُ      مِـنَ الـلَيلِ وَجـهٌ يَمَّمَ الماءَ قارِبُه
فَـباتَ وَقَد أَخفى الظَلامُ شُخوصَها      يُـنـاهِبُها أُمَّ الـهُـدى وَتُـناهِبُه
إِذا  رَقَـصَت  في مَهمَهِ اللَيلِ ضَمَّها      إِلـى نَـهَجٍ مِـثلِ الـمَجَرَّةِ لاحِبُه
إِلـى أَن أَصـابَت في الغَطاطِ شَريعَةً      مِـنَ الـماءِ بِالأَهوالِ حُفَّت جَوانِبُه
بِـها صَخَبُ المُستَوفِداتِ عَلى الوَلى      كَـما  صَخِبَت  في يَومِ قَيظٍ جَنادِبُه
فَـأَقبَلَها  عُـرضَ  الـسَرِيِّ وَعَينُهُ      تَـرودُ وَفـي الناموسِ مَن هُوَ راقِبُه
أَخـو صـيغَةٍ زُرقٍ وَصَفراءَ سَمحَةٍ      يُـجاذِبُها  مُـستَحصِدٌ  وَتُـجاذِبُه
إِذا رَزَمَـت أَنَّـت وَأَنَّ لَها الصَدى      أَنـينَ الـمَريضِ لِـلمَريضِ يُجاوِبُه
كَـأَنَّ الـغِنى آلـى يَـميناً يَؤودُهُ      إِذا مـا أَتـاها مُـخفِقاً أَو تُصاخِبُه
يَــؤولُ إِلـى أُمِّ اِبـنَتَينِ يَـؤودُهُ      إِذا مـا أَتـاها مُـخفِقاً أَو تُصاخِبُه
فَـلَمّا تَـدَلّى فـي الـسَرِيِّ وَغَرَّهُ      غَـليلُ الـحَشا مِن قانِصٍ لا يُواثِبُه
رَمـى فَـأَمَرَّ الـسَهمُ يَمسَحُ بَطنَهُ      وَلَـبّاتِهُ فَـاِنصاعَ وَالـمَوتُ كارِبُه
وَوافَـقَ أَحـجاراً رَدَعـنَ نَـضِيَّهُ      فَـأَصبَحَ  مِـنها  عـامِراهُ وَشاخِبُه
يَـخافُ الـمَنايا إِن تَرَحَّلتُ صاحِبي      كَـأَنَّ الـمَنايا فـي الـمُقامِ تُناسِبُه
فَـقُلتُ  لَـهُ  إِنَّ الـعِراقَ مُـقامُهُ      وَخـيمٌ  إِذا هَـبَّت عَـلَيكَ جَنائِبُه
لِـعَلَّكَ تَـستَدني بِسَيرِكَ في الدُجى      أَخـا  ثِـقَةٍ  تُـجدي عَلَيكَ مَناقِبُه
مِـنَ الـحَيِّ قَيسٍ قَيسِ عَيلانَ إِنَّهُم      عُـيونُ  النَدى  مِنهُم تُرَوّى سَحائِبُه
إِذا الـمُجحِدُ المَحرومُ ضَمَّت حِبالَهُ      حَـبائِلُهُم سـيقَت إِلَـيهِ رَغـائِبُه
وَيَـومٍ  عَـبورِيٍّ  طَـغا أَو طَغا بِهِ      لَـظاهُ  فَـما  يَروى مِنَ الماءِ شارِبُه
رَفَـعتُ  بِـهِ رَحلي عَلى مُتَخَطرِفٍ      يَـزِفُّ  وَقَد أَوفى عَلى الجَذلِ راكِبُه
وَأَغـبَرَ  رَقّـاصِ  الشُخوصِ مَضِلَّةً      مَــوارِدُهُ مَـجـهولَةٌ وَسَـباسِبُه
لِأَلـقى  بَـني عَـيلانَ إِنَّ فَـعالَهُم      تَـزيدُ  عَـلى كُـلِّ الفَعالِ مَراكِبُه
أُلاكَ الأُلـى شَـقّوا العَمى بِسُيوفِهِم      عَـنِ  الـغَيِّ حَتّى أَبصَرَ الحَقَّ طالِبُه
إِذا  رَكِـبـوا بِـالمَشرَفِيَّةِ وَالـقَنا      وَأَصـبَحَ  مَـروانٌ تُـعَدُّ مَـواكِبُه
فَـأَيُّ  اِمـرِىءٍ عـاصٍ وَأَيُّ قَبيلَةٍ      وَأَرعَـنَ لا تَـبكي عَـلَيهِ قَـرائِبُه
رُوَيـداً تَـصاهَل بِـالعِراقِ جِيادُنا      كَـأَنَّكَ بِـالضَحّاكِ قَـد قامَ نادِبُه
وَسـامٍ لِـمَروانٍ وَمِن دونِهِ الشَجا      وَهَـولٌ كَلُجِّ البَحرِ جاشَت غَوارِبُه
أَحَـلَّـت بِـهِ أُمُّ الـمَنايا بَـناتِها      بِـأَسيافِنا  إِنّـا  رَدى مَـن نُحارِبُه
وَمـا زالَ مِـنّا مُـمسِكٌ بِـمَدينَةٍ      يُـراقِبُ  أَو  ثَـغرٍ تُـخافُ مَرازِبُه
إِذا الـمَلِكُ الـجَبّارُ صَـعَّرَ خَـدَّهُ      مَـشَينا  إِلَـيهِ بِـالسُيوفِ نُـعاتِبُه
وَكُـنّا  إِذا دَبَّ الـعَدُوُّ لِـسُخطِنا      وَراقَـبَنا  فـي ظـاهِرٍ لا نُـراقِبُه
رَكِـبنا  لَـهُ جَـهراً بِـكُلِّ مُثَقَّفٍ      وَأَبـيَضَ تَـستَسقي الدِماءَ مَضارِبُه
وَجَيشٍ كَجُنحِ اللَيلِ يَرجُفُ بِالحَصى      وَبِـالشَولِ وَالـخَطِّيِّ حُـمرُ ثَعالِبُه
غَـدَونا  لَهُ  وَالشَمسُ في خِدرِ أُمِّها      تُـطالِعُنا  وَالـطَلُّ  لَـم يَجرِ ذائِبُه
بِضَربٍ  يَذوقُ المَوتَ مَن ذاقَ طَعمَهُ      وَتُـدرِكُ مَـن نَـجّى الفِرارُ مَثالِبُه
كَـأَنَّ  مُـثارَ الـنَقعِ فَوقَ رُؤُسِهِم      وَأَسـيافَنا  لَـيلٌ تَـهاوى كَواكِبُه
بَـعَثنا لَـهُم مَـوتَ الـفُجاءَةِ إِنَّنا      بَـنو الـمُلكِ خَـفّاقٌ عَلَينا سَبائِبُه
فَـراحوا فَـريقاً فـي الإِسارِ وَمِثلُهُ      قَـتيلٌ  وَمِـثلٌ لاذَ بِـالبَحرِ هارِبُه
وَأَرعَـنَ يَغشى الشَمسَ لَونُ حَديدِهِ      وَتَـخلِسُ أَبـصارَ الـكُماةِ كَتائِبُه
تَـغَصُّ بِـهِ الأَرضُ الفَضاءُ إِذا غَدا      تُـزاحِمُ أَركـانَ الـجِبالِ مَـناكِبُه
كَـأَنَّ  جَـناباوَيهِ مِن خَمِسِ الوَغى      شَـمامٌ  وَسَـلمى أَو أَجاً وَكَواكِبُه
تَـرَكنا  بِـهِ كَـلباً وَقَحطانَ تَبتَغي      مُـجيراً  مِـنَ الـقَتلِ المُطِلِّ مَقانِبُه
أَبـاحَت  دِمَشقاً خَيلُنا حينَ أُلجِمَت      وَآبَـت  بِـها مَغرورَ حِمصٍ نَوائِبُه
وَنـالَت  فِـلِسطيناً فَـعَرَّدَ جَمعُها      عَـنِ العارِضِ المُستَنِّ بِالمَوتِ حاصِبُه
وَقَـد  نَـزَلَت  مِـنّا بِـتَدمُرَ نَوبَةٌ      كَـذاكَ عُـروضُ الشَرِّ تَعرو نَوائِبُه
تَـعودُ بِـنَفسٍ لا تَـزِلُّ عَنِ الهُدى      كَـما زاغَ عَـنهُ ثـابِتٌ وَأَقـارِبُه
دَعـا  اِبـنَ سِـماكٍ لِلغَوايَةِ ثابِتٌ      جِـهاراً  وَلَـم يُـرشِد بَنيهِ تَجارِبُه
وَنـادى سَعيداً فَاِستَصَبَّ مِنَ الشَقا      ذَنـوباً  كَـما صُـبَّت عَلَيهِ ذَنائِبُه
وَمِـن عَـجَبٍ سَعيُ اِبنِ أَغنَمَ فيهِمُ      وَعُـثمانَ إِنَّ الـدَهرَ جَـمُّ عَجائِبُه
وَمـا  مِـنهُما إِلّا وَطـارَ بِشَخصِهِ      نَـجيبٌ وَطـارَت لِلكِلابِ رَواجِبُه
أَمَـرنا  بِـهِم  صَدرَ النَهارِ فَصُلِّبوا      وَأَمسى  حَميدٌ  يَنحِتُ الجِذعَ صالِبُه
وَبـاطَ  اِبـنُ  رَوحٍ لِـلجَماعَةِ إِنَّهُ      زَأَرنـا إِلَـيهِ فَـاِقشَعَرَّت ذَوائِـبُه
وَبِـالكوفَةِ الـحُبلى جَـلَبنا بِخَيلِنا      عَـلَيهِم رَعـيلَ الـمَوتِ إِنّا جَوالِبُه
أَقَـمنا  عَـلى هَـذا وَذاكَ نِساءَها      مَـآتِـمَ تَـدعو لِـلبُكا فَـتُجاوِبُه
أَيـامى وَزَوجـاتٍ كَـأَنَّ نِـهائَها      عَـلى الـحُزنِ أَرآمُ الـمَلا وَرَبارِبُه
بَـكَينَ  عَـلى مِـثلِ السِنانِ أَصابَهُ      حِـمـامٌ  بِـأَيدينا فَـهُنَّ نَـوادِبُه
فَـلَمّا اِشـتَفَينا بِـالخَليفَةِ مِـنهُمو      وَصـالَ  بِـنا حَـتّى تَقَضَّت مَآرِبُه
دَلَـفنا إِلى الضَحّاكِ نَصرِفُ بِالرَدى      وَمَـروانُ  تَـدمى مِن جُذامَ مَخالِبُه
مُـعِدّينَ ضِـرغاماً وَأَسـوَدَ سالِخاً      حُـتوفاً  لِـمَن دَبَّـت إِلَينا عَقارِبُه
وَمـا  أَصـبَحَ الضَحّاكُ إِلّا كَثابِتٍ      عَـصانا فَـأَرسَلنا الـمَنِيَّةَ تـادِبُه

lunes, 21 de enero de 2013

أحلام فى الحمام

كلما دخلت الحمام، يلهينى المنظر فى الأرضية والحوائط الغريبة التركيب والتى تحوى العديد من الإيحاءات التى تجذب انتباهى وتسترعى اهتمامى لحظات تواجدى بهذا المكان الشديد الخصوصية. فى هذا المكان فقط، ينفتح حوار صادق جدا مع الذات، وتنطلق الأحلام والأوهام والأفكار الغريبة بشأن الوجود، والإنسان والأنا والمحيط والسيراميك ونقط المياه على الأرض والأشكال التى تنتظم وتختلف فى قاع السيراميك تحت الظلال التى تمتد على الأرض لتحجب ضوء مصباح السقف. قديما كانت أرضية حمام بيت العائلة من الرخام الأصفر، ذى العروق المتشعبة فيما بين القطع الغير منتظمة الشكل، بعضها يشكل رؤسا آدمية، وبعضها يشكل أذرع مبتورة لبشر بكل ما فيها من ملامح، وخطوط تجمع كلمات لها معنى وأخرى لا معنى لها، لعلها تكون من لغة ليست لنا، وبعض آخر يشبه حيوانات، وبعض آخر يعطيك أكثر من إيحاء، مقدمته تشبه الإنسان ومؤخرته تشبه الحيوان، وأسفل منه رخامة صفراء لا تحتوى على غير نقاط أكثر صفرة تدو كأنها تراب الصحراء أو حصاها، فى أسفل هذه الرخامة توجد رخامة أخرى تحتوى على مايشبه رجلى حصان، وذراع إنسان ووجه قط مشوه، وبقايا طعام وصلصة ورأس كرنبة. ما أن أصب الماء على الأرض إلا ويلمع على الرخام خيالى، وأرى شبحى المجسم فى قاع الرخام يحاكى كل تحركاتى. أهيم معه، وأسألنى، أينا الحقيقة، وأينا الخيال؟ لعلى حين أنام أصير هو، ولعله حين ينتبه يصير أنا؟ هل أنا فى الحقيقة فوق الأرض أم تحتها؟ ولو كنت فوقها؟ فمن الذى تحتها؟ وما دمت سأنزل تحتها يوما، فهل الحقيقة فى بطن الأرض أم على ظهرها؟ لماذا ينظر إلى هذا الشئ هكذا؟ هل لأننى أنظر إليه؟ أم لأنه يريد أن ينطق بالسر ويمنعه حاجز؟ أيهما أصح؟ ما يدور بخلدى؟ أم ما يكنه هذا الشئ؟ لعله يفكر فى نفس ما أفكر فيه؟ إن حياته تنبعث وتلمع كلما سكبت ماءً أكثر على الأرض؟ إنه يتشتت فى تماوج المياه، ثم يجمع شتاته بثبات سطحها. ترى هل إذا أنا مت، ودفنت فى الأرض، اتحد هو معى لنصير حياة أخرى؟ أم أننى لا أراه إلا فى الحمام؟
ذات يوم دققت النظر فى الصور التى تنعكس فى أرضية الحمام، فرأيتها أشلاءً توحى بآثار حرب انتهت للتو أحداثها. آثار عجلات حربية، وآثار رماح وسهام وحراب... وجدتنى أنظر فجأة إلى ذلك الركن النائى فى الحمام، والذى كنت دائما أرى فيه رخامة ركنها أسود غريب الشكل، لم أتبين ملامحه من قبل، فى هذه المرة فقط، تبينت فيه أربع أصابع كف يمنى وعين نصف مفتوحة تنذر بوعيد، وناب أبيض معقوف كمنقار صقر، نثرت الماء بالدش ضربة حظ لأرى كيف سيكون الإيحاء. فوجدت أغلب قطرات الماء سالت من طرف العين، ومن بين أصابع الكف، بينما سقطت نقطة واحدة على جانب الناب الذى يشبه المنقار... أردت أن أجرب الحظ للمرة الثانية، فأخذت الممسحة، ومسحت أرضية الحمام، ثم نثرت الماء فى هذه المرة من أسفل إلى أعلى، وما أن ارتفعت يدى بمحاذاة رأسى إلا وسمعت انفجارا يشبه انفجار القنبلة، يدوى الصوت فى الحمام، وأصبح الحمام معتما فى لحظة، سمعت صراخا حولى يدوى وطرقا على الباب، وقفت مكانى لا أتحرك وأيقنت بالهلاك، وكان عمرى وقتها سبع سنوات، تبينت صوت أمى تنادينى من خارج الحمام فى لهفة، لم أدرك أن الماء فجَّر المصباح إلا بعد أن سمعت صوت الزجاج يتكسر تحت الشبشب وأنا أتحسس طريقى لباب الحمام.
لم أعد أفكر بعدها فى الأشكال التى تبدو على الأرض أو الحوائط، وإن كنت لا أزال مشغولا حتى الآن بكنه ما حدث فى ذلك اليوم... هل يحملنى التفكير فى الحقيقة وراء الأشياء إلى النور؟ أم إلى العتمة تقودنى التجربة؟